Dec 24, 2011

عائشة السيفي : الانسَان العُمانيّ .. وقيمتهُ في السوق العالميّة!



كم انا معجب بصدق وحميمية قلم هذه الكاتبة العُمانية الموهوبة التي تتميز بالصراحة والوضوح والجرأة في الطرح .. مقالتها التالية نشرت في مدونتها ( ط*ُظ€ظ€ظ€ظ€ظ€ظ€ط±ِّظٹَّط© ط¨ِظ€ظ€ظ€ظ€ظ€ظ€ظ€ظ€ط«َظ€ظ€ظ€ظ€ظ€ظ€ظ…َظ€ظ€ظ€ظ€ظ†ِ ط§ظ„ط®ظ€ظ€ظ€ط¨ْظ€ظ€ظ€ظ€ط²: ط§ظ„ط§ظ†ط³َط§ظ† ط§ظ„ط¹ُظ…ط§ظ†ظٹّ .. ظˆظ‚ظٹظ…طھظ‡ُ ظپظٹ ط§ظ„ط³ظˆظ ) وتستحق القراءة بتمعن شديد لتكشف لنا حقيقة قد لا تعجب الكثيرين ولكنها تظل حقيقة :

الانسَان العُمانيّ .. وقيمتهُ في السوق العالميّة!

إذن .. فقدْ تمّ إطلاق سرَاح الدفعة الثانية من الأسرَى الفلسطينيين البالغ مجمُوعهم 1027 فلسطينياً مقابل إطلاق سرَاح الأسير الاسرائيليّ جلعاد شاليط .. 1027 أسيراً فلسطينياً مقابلَ اسرائيليّ واحد .. صفقة وصفتهَا الصحفُ الاسرائيليّة بالباهظة إلا أنّ الحكُومة الاسرائيليّة فسّرتها على أنّها دليل قيمَة ما يعنِيهِ كلّ جنديّ اسرائيليّ لوطنه .. وقبلَ يومينِ حينَ تمّ إطلاق الدفعة الثانيَة من الأسرى بواقع 550 أسيراً فلسطينياً .. كنتُ أتساءل ما الذي تعنيهِ "قيمَة الفرد في السوق العالميّة"؟

التساؤلُ نفسهُ أيضاً طرأ لي وأنا أقرأ أنباء الإفراج عن السجينين الأميركيين الذينِ أطلقَ سراحهما مؤخراً بوساطة عُمانيّة .. وبالإضافة إلى زميلتهما التيْ سبقتهُما .. فإنّ فاتُورة كفالتهم التي وصلت إلى مليون وثلاثمائة دُولار (500ألف عُماني تقريباً) والتيْ قيلَ أنّ الحكومة العُمانيّة جادَت بها .. بينما تقولُ الأنباء الأخرى أنّ الولايات المتّحدة لم يسبق أن دفعت كفالة رهائن أميركان "مباشرَة" وإنّما عبر مظلات وقنوات غير مباشرَة "قد تكُون الحكومة العمانيّة إحداها هذهِ المرّة" لتفادي تشجيع "كلّ من هبّ ودبّ" على اختطاف الأميركان "المحشُورين" في كلّ العالم من أدغال الأمازون حتّى صحراء الربع الخالي .. فإنّ هذا يعيدنا لنقطة مهمّة هوَ أنّ قيمة الأميركيّ في السوق العالميّة "تستاهل" أن تدفعَ حكُومته لأجلهِ 400ألف دُولار.. وإن كانَت قيمَة جلعَاد شاليط لدى حكومته 1027 فلسطينياً .. فيا ترَى كم هيَ "قيمَة العُماني" في السّوق العالميّة!

شخصياً غرقتُ في حالةِ تفكيرٍ عميقَة وأنا أفكّر عن قيمَة العُمانيّ في السوق العالميّة .. خاصّة ً بعدَ أن اطلعتُ على احصائيتين مختلفتين .. هيه .. قبلَ أن ننساقَ في التأويلات الطويلة النابعَة من نظريّة المؤامرَة حولَ أن قيمَتنا يحددها تعاملُ حكومتنا معَ مواطنيها .. يحددها مستوَى دخلنا ، يحددها تطوّر البنيَة التحتيّة في بلادنا ، تحددها براميل الذهبِ الأسود في حقولنا فقد قررتُ أن أشارككم .. الإحصائيتين اللتين اطلعتُ عليهما ..

الأولَى بعدَ إعلانِ الوزير المسؤول عن الشؤون الماليّة محسن البلوشي عن عجزٍ متوقعٍ مقدارهُ 1.2مليار ريال لعام 2012 وتوقعهِ ارتفاع الدينِ العامّ الحكوميّ إلى 1.6مليَار ريال .. معلناً عن ميزانيّة 10مليَار ريال لعام 2012 .. فيما أعلن أنّ الدخل المتوقّع سيكون 8.8مليَار ريال .. أمّا المثير في الاحصائيّة هوَ إعلانهُ عن أنّ الإيرادات النفطيّة ستساهم في إيرادات الدّخل بما يقدر بـ72% بينما ستشّكل الإيرادات غير النفطيّة ما يقدر بـ16% من المساهمة في الدخل ..

سأقولُ أنني أصبتُ بالصدمَة حين قرأتُ أنّ معدّل ما يسهمهُ أيّ مصدر دخل آخر "غير نفطي" لا يزيدُ عن 16%!

بعدَ 41عاماً من عمرِ النهضة فإنّ الفردَ العُمانيّ غير قادر على أن يرفع رصيد إسهامه أكثر من 16% من دخلِ بلاده .. وعدا عن براميل الذهب الأسود التيْ تقدّم الكعكة الأكبر من الدخل للوطن بنسبة 72% فإننا وبواقع مجتمع بتعداد يقاربُ الثلاثة ملايين تتركز غالبيّة فئته السنيّة على فئة الشباب أننا بعدَ 41 عاماً لا نسهمُ في دخل هذا الوطن إلا بـ16%! أليسَ هذا محزناً ..

عدتُ إلى احصائيّات وزارة الاقتصادِ الوطنيّ علّي أحظى بإحصائيّات "تنعش الروح" وإذ بي أقرأ أنّ إيرادات الدخل غير النفطيّ في عام 2006 كانت 23% ، وفي عام 2007 كانت 19% وفي عام 2008 21.4% وفي عام 2009 كانت 22.6% وفيمَا تفاوت الاسهام غير النفطيّ حول الـ20% يقلّ أو يزيد بقليل .. فإنّ كلّ عامٍ ماليّ كانَ يخرجُ بفائضٍ ماليّ تارةً وتارةً بعجزٍ ماليّ آخر في السنة التي تليها .. ليس بسبب الإيرادات غير النفطيّة طبعاً وإنما بسبب براميل الذهب الأسود فإذا ارتفعَت قيمتها في السوق خرجنا بفائضٍ ماليّ .. وإن انخفضت خرجنا بعجز ..

بعد 41عاماً .. تغنينا فيها بعمرِ النهضة .. تغنينا فيها بحضَارة البنيان .. وبحضارة الانسان .. إلا أنّ الانسان العمانيّ لم يكن يسهمُ بأكثر من 16% من دخلِ وطنه .. يا ترى ما الذي تعنيهِ حضارة الانسان لدينا؟

بعدَ 41% عاماً .. فإننا لا نزالُ نحتفي ونهلل بخريجي جامعَة السلطان قابُوس، وننقل عبر التلفزيون حفلَ تخريجهم .. وتتصدرُ الصفحة الأولى من صحفنا تغطية تخرّجهم .. إلا أنّ جامعتنا "الوحيدَة واليتيمة" لا أثر لها ضمنَ أفضل 500 جامعة في العالم .. وإذا أحببتم أن تعرفوا ترتيبها فليسَ عليكم سوى دخول موقع ترتيب الجامعات العالميّ ليبهجكم أنّها تحتل الترتيب 1424 .. بل إنّ من المضحكِ المبكي أنّ "جامعتنا الوحيدة" تحتل الرقم 13 في قائمة الجامعات العربيّة الأفضل .. جامعتنا الوحيدة التي ننقلُ تخريج طلابها عبر التلفزيون الوطني.. وترتيبها عربياً 13.. أليسَ هذا مضحكاً؟

شخصياً لو تسنّى لي التواصل مع القائمين على الموقع لسألتهم إن كانَ ثمّة جامعَة في العالم .. حصلتْ على منحَة من حاكمِ بلادها بقيمة 32مليُون ريال .. ولأنّ الجامعة كانَ لديها ما يكفي لتطوير الأنظمة البحثيّة لديها والميزانية المرصودَة للأبحاث وجوائز الاختراعات العلميّة لطلابها .. ورفع رواتب أساتذة الجامعة المتدنيّة الذي أثر على كفاءة الكوادر التدريسيّة وبعدَ أن طوّرت من خدماتها الصحيّة الموفّرة في مستشفاها ، بعدَ أنْ أنهَت الجامعة كلّ المشاريع التنمويّة التيْ "سترفع" موقعها "تحت" الـ 1400 جامعة فقد قررت توزيع ألف ريال على طلابها و3آلاف لموظفيها .. هل سمعتُم بجامعة تمنحُ طلابها هذا المبلغ لـ "لا سبب" !

كنّا مثلاً "سنبلعها" لو خصصتِ الجامعة مكافآتٍ ماليّة للطلاب المتفوقين ، مثلاً ألف ريال للطالب الذي يقدّم بحثاً علمياً أكاديمياً رصيناً .. لكن أن يمنحَ الطالبُ ألف ريال في جيبهِ فإنني أشكّ أن أجدَ جامعَة قبلَ ترتيب جامعتنا الوحيدَة أو بعد ترتيبها قد فعلتها ..

وكانَ سيكُون أمراً جيداً لو أبلغتنا الجامعَة إن كانت معدّلات طلابها قد ارتفعت بعد منحهم الألف ريال وقلّت نسب الرسُوب بالنظر إلى أنّ المستفيد الأكبر كانَ محلات بيع الهواتف النقالة التي انهالَ عليها الطلاب لشراء آخر صيحات الجلاكسي والآيفون .. ومحلات العباءات اللاتي سارعتْ إليها الطالبات الجامعيّات لاستثمار الألف ريال فيها.. إلى أيّ مدى أفادتْ هذهِ الهبة "المليونيّة" طلاب جامعة السلطان قابوس لرفع تحصيلهم الأكاديمي والبحثي دوناً عن بقية طلاب المؤسسات التعليميّة الأخرى؟ وإلى أيّ مدى ساهمت في "رفع" قيمة الانسان العُمانيّ في السوق العالميّة ..

حسناً .. أنا لا أعرفُ الإجابة على هذا السؤال .. إلا أنني أستحضرُ هذا السؤالَ الآن وبرفقتهِ "جونيّة" أسئلة أخرى ...

ما هوَ تقييمنا لمستوى التعليم العالي في السلطنة؟ لمخرجات الكليّات الخاصّة؟ لمخرجات التقنيّة؟ لمخرجات الكليّات التطبيقيّة؟ لمخرجات جامعة السلطان قابُوس؟

ما هوَ تقييمنا لمستوى الخبرات التقنيّة والعلميّة العمانيّة في القطاع الخاصّ؟ كيفَ يفهم العُمانيّ الدور المعوّل عليه في القطاع الخاصّ إذا علمنا أنّ ما يزيدُ عن 9آلاف استقالة من مؤسسات القطاع الخاصّ خلال شهرٍ واحدٍ فقط حدثت بعدَ إعلانِ الـ50 ألف وظيفة التيْ تكفّلت الحكومة بحصّة الأسد من سدّ شواغرها ؟

ما هوَ تقييمنا لأداء العُمانيّ في المؤسسات الخدميّة؟ الموظف العمانيّ المسؤول عن تخليص معاملات وزارة القوى العاملة؟ العمانيّ العامل في الجوازات؟ العمانيّ العامل في البلديّة؟ المعاملات في مكاتب الولاة؟ المناقصات في مجلس المناقصات؟ ما هوَ تقييمنا في سرعَة الأداء وجودتها؟

كم نسبَة العمانيين الذين يلتزمُون بقوانين السّير؟ كم نسبة المهندسين العاملين في القطاع الخاصّ؟ كم عدد الاختراعات التيْ يتقدّم بها العمانيون سنوياً؟

كم نسبَة العمانيين الذينَ يتخرّجون من مؤسسات التعليم العالي ويلتحقونَ بالقطاع الخاصّ مقارنة ً بالقطاع الحكوميّ؟ ما هوَ تقييمنا لإنتاجيّة القطاع الحكُوميّ؟

أسئلة كثيرة .. لا تنتهي .. تردنيْ وأنا أتعاملُ يومياً من موقعي في العمَل .. مع موظفين حكوميين غير قادرين على اتخاذ أبسط قرار فلابدّ أن تمرّ المعاملة على الموظف فمدير القسم فالمدير العامّ فالوكيل فالوزير ..

معاملات "تافهة" تنتهي بجرّة قلم .. "تخيس" ليالٍ وشهور في أدراج المؤسسات الحكوميّة "التي نتهافت على تقديم طلبات توظيفنا بها" ..

مهندسون عمانيون كهربائيونَ لا يعرفُون قانُون "أوم" .. ومدنيُون لا يعرفُون معادلَة توزيع القوى .. وكيميائيون لا يدركُون أدنى قوانين الميوعة والسوائل .. درسُوا في كليات تجاريّة يديرها اللوبي الهنديّ الذي يعمل "برواتب منخفضة" .. وبـ"كفاءة سيئة" وخرجوا بشهاداتِ مهندسين وهم أبعد ما يكون عن الهندسة .. يديرُون مشاريع مليونيّة ولا يعرفُون أكثر من الإمضاء على الرسائل التي يبعثها لهم المقاولُ والاستشاريّ..

شعبٌ يشتعلُ إذا سمعَ بزيادات راتب في دول خليجيّة أخرى .. يتظاهر بالاتصالات والرسائل والواتسأب والفيسبوك والماسنجر والمدوّنات والمنتديات الالكترونيّة ولكنّه لم يسأل يوماً .. لماذا يصلُ العمل متأخراً ويغادرهُ مبكراً؟ كم ساعة ً يقضيها على الانترنت؟ على الهاتف؟ على "الريوق الصباحيّ" .. على طلعات التسوّق أثناء العمل .. لماذا لا يزالُ لا يسهم بأكثر من 16% من دخلِ وطنهِ!

شعبٌ لا يكفّ عن مقارنة الرواتب والدخل في عُمان بالامارات العربيّة لكنّه لم يقارن مثلاً حجم الإجازات التي نمنحُ إياها ففي هذا العام الذي احتفلت فيهِ تلك الدولة بالعيد الاتحاد الـ40 الذي وافقَ الهجرة النبويّة فإنّ الشعب لم يحصلْ إلا على يومِ إجازة واحد "للمناسبتين" أما في عُمان فقد كانَ الوضعُ مختلفاً .. فرغم أننا نحتفلُ بـ41عاماً .. إلا أنّنا نلنا كيلُو إجازة .. ليسَ في القطاع الحكوميّ فحسب بل والخاصّ أيضاً .. هل سمعتم بدولة تمنحُ إجازاتٍ أكثر منا؟ 3 أيّام للقطاع الحكوميّ و3 أيّام للقطاع الخاصّ .. أي دولة هذهِ التي تساوي إجازاتِ القطاعين؟ ألا توجد عقليّة في الحكومة تفكّر كم سنخسرُ خلال هذهِ الإجازة؟

لا يقارنُ إلا بدبيّ وأبوظبي .. ولا يخطرُ في بالهِ أنّ هناك إمارات منسيّة تحت الرمال كأمّ القيوين وعجمان والفجيرة .. تعيشُ ضمنَ دولة واحدة مع دبيّ وأبوظبي إلا أنّها تتخلف بسنواتٍ ضوئيّة عن الرواتب والبنيَة التحتيّة والخدمات ليسَ لأنّ شعبَ أبوظبي ودبيّ ينتجُ أكثر مما ينتجُ شعب أم القيوين وعجمان والفجيرة ولكن لأنّها لا تسبح في برك ذهبٍ سوداء كالتي تسبحُ بهما الإماراتين "اللتين على رأسهما ريشة" ..

يحزنني أن نتحوّل إلى شعبٍ متذمّر .. متطلّب ، بينما نحنُ لم نقدّم لهذا الوطنِ ما يستحق .. يحزنني أننا نريدُ ونريدُ ونريدُ ولكننا لا نريدُ أن نعطي .. يحزنني أنّنا امتلكنا البنيان .. لكننا لم نهتدِ للانسان!

يحزننيْ أنني كلّما ذهبتُ لاجتماع مع مؤسسة حكوميّة أو عسكريّة .. سألنيْ الموظفون هناك: تو انتي عمانية .. ليش تشتغلي في القطاع الخاص؟ روحي حكومة ... نعم! لقد مللتُ هذا السؤال ..في الوقتِ الذي التحقَ أغلبُ زملائي بالقطاع الحكوميّ .. فأيّ تطوّر في الانتاجية سنتحدث ونحنُ نتخرّج من الجامعة ونلتحقُ بأقربِ مؤسسة حكوميّة ، والأولويّة لمن تدفع أكثر! شبابٌ في مقتبلِ العمر ، ننتظرُ منهم أن يقدّموا للوطن ما انتظرناهُ لأربعين عاماً .. إلا أننا نقفُ عند نقطَة مسدودة ونحنُ نرتفعُ قليلاً وننخفضُ قليلاً عن المساهمة العشرينيّة في دخل وطننا ..

آه .. يا أصدقائي .. اسرائيليّ واحدٌ خرجَ مقابل 1027فلسطينيّ ، تحتلُ 13 جامعَة اسرائيليّة من بلدهِ مراكزها المتقدمة ضمن أفضلِ خمسمائة جامعة عالميّة.. آه لو أنني أعرفُ إجاباتِ الأسئلة أعلاه ، ربّما كنتُ أخبرتكم حينها كم هي قيمَة الفرد العُمانيّ في السوق العالميّة؟

No comments: