Aug 14, 2011
البرذول الذي وحّد عمان !!
في الواقع .. رغم ان مجلة الفلق الالكترونية تشدني دوما اليها ولا يحتاج الامر الى اكثر من نقرة على الفأر ! الا ان شرطها بذكر الاسم الحقيقي للمشارك جعلني اتحسر على عدم استطاعتي المساهمة فيها .. وكما ترون في البانر اعلاه اعلان عن الموضوع الشيق للغاية للاخ الكاتب حميد البلوشي المعنون « البرذول الذي وحد عُمان » .. وهو في الواقع من وجهة نظري يستحق النقاش في حارتنا السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية .. فليسمح لي الاخ الكريم حميد والاخوة ادارة مجلة الفلق على نشره هنا للنقاش :
نافذة على الأعمال العمانية : البرذول الذي وحّد عمان !!
حميد البلوشي
نستطيع أن نقول وبعد سنين من الانتظار الذي أكل الكثير من الزمن التلفزيوني , أخيرا هناك عمل كرتوني عماني أو كما يحلو لمجمع اللغة العربية في تلفزيوننا العماني أن يطلق عليه ” عمل ورقي عماني” .
يوم و يوم والبرذول عارف الذي تحول من أوراق الكاتب والقاص سليمان المعمري إلى شخصية تتنفس وتتحرك بأبعاد كرتونية قريبة من الذائقة العصرية للمتلقي , البرذول بشخصيتة الصوتية والحركية لا سيما الذكاء في تلك اللزمة المستحدثة صوتيا حين يتحدث كأن جيوبه الأنفية منسدّة , استطاع هذا البرذول ( الأخنّ) أن يُملئ جانب مهم في الشاشة العمانية كان حتى وقت قريب ( يصوفر) من قلة وانعدام البصمة العمانية المحلية في الشكل والتناول الكرتوني ووصلنا في أحيان إلى أن نتابع (كراتين) الآخرين التي تزج بشخصية عمانية هنا وبلهجة عمانية هناك , بين متلقي حساس وآخر مرن .
المقدمة الغنائية ليوم ويوم تأتي راقصة ومحمّلة ب (يودان دان) شعبية ممتزجة ب ( معلاية ) إماراتية واضحة لا يخطئها السماع , مع بعض النكهة العمانية من بعيد , ويبدو أن الهدف من طرح هذا النوع من الأسلوب الغنائي الشعبي كمقدمة كان لجذب تجاري تسويقي في الاساس , وهو ما يعرف بلغة الفنانين ب (أغنية السوق) مستهدفة فئات المشاهدة الرمضانية لا سيما أن تجربة عمل مقدمات غنائية تأخذ الأسلوب الشعبي الراقص سبق و شاهدناها في أم خماس وشعبية الكرتون وفي أبو قتادة وأبو نبيل لذلك لم تخرج مقدمة يوم ويوم عن هذه المدرسة التي تحاول أن تجتذب بالإيقاع الشعبي المشاهدين من أول بوابات العمل الفني وهو المقدمة , وهو ما حدث فعلا إذ ان لحن المقدمة الذي وضعه الفنان العماني ماجد المرزوقي من نوعية الجمل اللحنية التي تعلق في الذاكرة السمعية بتحولاتها, ويأتي تسجيل الأغنية وتركيب الإيقاعات عليها في استديوهات دبي كنوع من السعي لجودة فنية غنائية متميزة , وهو ما تحقق فعلا كبديل مهم لنوعية سابقة من مقدمات الأعمال التلفزيونية العمانية التي كان فيها عنصر استسهال التنفيذ والدفع من ( المخبا ) الخالي لإنتاجها يوقع المؤسسة الإعلامية الرسمية في منطقة قلة الذوق الفني .. ما يؤخذ على مونتاج المقدمة أنها جاءت بنفحة من الطريقة الكلاسيكية في المونتاج وهي التي تخصص جزء من جوانب الشاشة لمؤثرات تقليدية عفا عليها الزمن البصري ولو تمت الاستعاضة عن هذا المؤثر بوضع الصورة كاملة في وضعية ( Full Screen ) لكان أجدى وأكثر بساطة .
مسلسل يوم ويوم كان من المفترض أن يكون اسمه يوميات عارف البرذول ولا نعلم سبب تغيير الاسم فعارف البرذول أكثر تسويقية من يوم ويوم وكان يمكن للشخصية أن تمتدد في الشعبية والانتشار وتساعد على انتشار الكرتون نفسه وربما يعطي دافع الانتشار إلى تحسين المستوى الإنتاجي لمستويات السلسلة في أجزاء قادمة , كذلك كان يمكن استغلال اسم عارف البرذول كنوع من الماركة المسجلة لتسويق كركتر الشخصية وبقية شخصيات المسلسل عن طريق تجاري كقمصان وغيرها من المنتجات التي تسعى فئة الأطفال وحتى الكبار إلى إقتنائها .
شخصيات يوم ويوم تنوعت بحسب انتقاء يخدم الحبكات الكوميدية المرنة ( عارف وعائلته , محاد وعائلته , مقهى برعي , وبعض الشخصيات الثانوية ) وإن كان تأثير بعض الأعمال الكرتونية الخليجية ذائعة الصيت كأم خماس وشعبية الكرتون واضحا في بعض جوانب اختيار نفسيات وأطباع الشخصيات إلى جانب أن تصاميم خلفيات المشاهد المبنية على وجود عائلتي عارف ومحاد الرئيسيتين في بيئة سكنية شعبية هو تكرار لأجواء أم خماس العامة , فالإتكاء على تجارب كرتونية سابقة شئ بديهي خصوصا في التجربة الكرتونية الأولى العمانية التي تشتغل على نظام تحريك ورسم (3D) مدموجا ب (2D) ولكن كان بالإمكان خلق بيئة جديدة ومبتكرة ومستقلة تعطي العمل العماني تفرد غير مبني على الانسياق خلف التجارب السابقة على الأقل فيما يخص تقسيمات بيئة الأحداث وأسلوب التقطيع والانتقال من مشهد إلى آخر , أما بالنسبة للأداء الصوتي للشخصيات بإستثناء عارف ومحاد وزوجة محاد لم يكن متقناً ومتناسبا والشخصيات , كزوجة عارف البرذول إذ يتضح أن الأداء الصوتي لها كان متكلف للغاية بالضغط على مخارج الأحرف وكأنها تطلع ب ( بالغصب ) كذلك الأداء الصوتي للأطفال لا يوجد به إحساس الطفولة أكثر من إحساس لوي ذراع الصوت الطفولي بمؤثرات صوتية , وبالرغم من تناسب وتناسق الأداء الصوتي لعارف البرذول ومحاد وزوجته وبرعي إلا أن هناك إحساس آخر بعدم وضوح عملية الدوبلاج وفي أحيان المكساج الصوتي مما يفقد بعض الكلمات مخارجها الواضحة فتأتي مأكولة .
يحسب ليوم ويوم أنه استوعب أطياف مختلفة من المجتمع العماني لغويا على الأقل وهنا النقطة الجديدة تماما , فإدخال تكوينات لهجة عمان الداخل مع لهجة صلالة مع لهجة الباطنة بجانب لهجة الشرقية في صورة عمل واحد هو انعكاس لطبيعة البيئة العمانية المتداخلة والمشتركة , فلأول مرة تلفزيوينا – بإستثناء مسلسل الغريقة الذي كان مخصص بالكامل لقصة حقيقية حدثت في صلالة لسفينة قديمة – لأول مرة تأتي اللهجة الظفارية واضحة صريحة مع شخصية محاد وزوجته وابنته الصغيرة ولأول مرة نسمع مصطلح ” بخسْكْ الله ” ذا الطعم الجنوبي في تعايش مع عارف البرذول الذي يبدو أقرب للهجة عمان الداخل أو اللهجة المسقطية الأولى ,إن وجود شخصية من الشمال مع شخصية من الجنوب في عمل واحد أعطى بعدا واقعيا أكثر لفكرة التعددية التي نعايشها يوميا في مجتمعنا والتي كانت لا تظهر في أعمالنا التلفزيونية البرامجية منها والدرامية وكأن هناك ما يشبه التوجه سابقا في محاولة توحيد عنصر اللهجة عبر طرح لهجة بيضاء وسطى بين شخصيات العمل الدرامي في حين أن عمان متعددة متباينة مختلفة في كثير من التفاصيل ومن بينها اللهجات , وهذا كله يصب في ثراء المجتمع وتنوعه , هذه النقطة من الجميل أن يوم ويوم استطاع أن يوجدها واستطاع فيها عارف البرذول أن يوحد عمان لأول مرة تلفزيونيا عبر تعدد لهجاتها الطبيعي ومن الجميل كذلك أن مقص الرقيب الموّجه تنازل عن فكرة التوحيد الإجبارية وإن جاء التنازل متأخرا كثيرا , وهذا يجعلنا نتأمل أن نرى في قادم الحلقات شخصية زنجبارية وشخصية بلوشية وشخصية من مسندم وشخصية بدوية وشخصية نزوانية وشخصية لوتيانية وشخصية جبّاليّة .. إلخ , وإن لم نرها في بقية حلقات يوم و يوم فقد نراها في مشاريع قادمة سواء كانت كرتونية أوغيرها ففي النهاية كلنا عمانيون متعايشون بوئام وحب بتعددنا في الإطار الحياتي فلا مانع من أن نكون كذلك داخل الإطار التلفزيوني ..
تتر العمل الكرتوني يحمل أسماء لها ثقلها واسهاماتها ونَفَسها على مستوى الكتابة القصصية والأدبية في السلطنة , أسماء مهمة صاغت مواضيع وأفكار يوم و يوم وهنا ربما السر في تطور مستوى الطرح الذي تمت معالجته دراميا بتميز في بعض الحلقات وببعض الإعتيادية في بعضها ويكفي أن نذكر أسماء من أمثال هلال البادي وسليمان المعمري وعبد العزيز الفارسي وهدى حمد ومالك المسلماني وناصر البدري لندلل على اجتماع عناصر إيجابية لها خبرتها الكتابية الكافية في استخراج مكونات قصصية جديدة تلامس الواقع العماني في أدق تفاصيله وما شخصية عارف البرذول الأصلية مثلما أسلفنا إلا إحدى ابتكارات الكاتب والقاص سليمان المعمري فهي من أروع الشخصيات ذات النَفَس الساخر والتي كتب في قالبها سليمان وأبدع في رسمها في خيالات القراء بشخصية البرذول , التي نرى أن الشخصية القصصية لم تنعكس تماما في البرذول الكرتوني في حين اقتربت الشخصية الكرتونية إلى حد ما من ملامسة البرذول القصصي .. فحلقة الخشوم والتي كتبها سليمان المعمري يطرح فيها أبعادا غاية في الأهمية في طبيعة العلاقة بين معالي وزير وبين مواطن أصبح عضو مجلس شورى , الحلقة تناولت بسخرية لاذعة الفرصة الوحيدة لكسب مزيد من الوقت في مقابلة الوزير بالمواطن هو مادة لاصقة في ( نعفة ) المواطن تتيح له في حالة أن (خاشم) المواطن الوزير ان يبقى حبيس ( نعفة) الوزير الملتصق ست ساعات !! هذه المدة هي مدة قياسية لجلسة مواطن مع وزير لم يستغلها البرذول عارف لصالحه وإنما استغلها الوزير لصالحة بشكل أفضل عبر طلبه من مساعده أن يصور النعفتين المتلاصقتين ونشرهما في الجرائد كدلالة على تقارب الوزير من المواطنين !! , هذه الحلقة إجمالا احتوت على إسقاطات مهمة وواقعية لامست فعلا منطقة النقد التي تتناولها هذه النوعية من الأعمال والتي يفترض في الأساس أن تغطيها الأعمال الكرتونية بسخرية لاذعة واضحة وهادفة أما بقية الحلقات – والمقال كُتب بعد مشاهدة ثمانية حلقات – فهي تراوحت بين المواضيع العامة التي هدفها الإضحاك ورسم البسمة فقط وبين بعض المواضيع التي تكشف نقاط إجتماعية سلبية , مثال حلقة ( العنجريزي ) إلى جانب بعض المواضيع النقدية لتكوينات خدمية , مثال حلقة ( كلنا بنموت ) التي تم استعراض مطبات الطيران (المتفيق) وهو الناقل الوطني ( الطيران العماني ) , والبعض من مواضيع يوم و يوم يذكرنا بتناولات المسلسل المرحوم ( درايش ) والذي اختفى عن الشاشة الرمضانية العمانية بشكل مفاجئ بعد تصريحات بوجود جزء خامس ربما كان سيكون جزء (كابس) آخر من سلسلة استثارت فئات عماليّة كالمعلمين أو عامة الناس من طريقة التناول والطرح السطحي لسلم اهتمامات المواطن العماني .. وسيأتي مقال خاص لاحقا عن موت الدرايش وكيف أسقط الشعب هذه الدرايش دريشة دريشة .
يوم ويوم لم يخرج عن بعض مناطق طرح درايش لا سيما في حلقة خاصة بالشائعات التي تنتشر عبر مواقع المنتديات وكنوع من تسليط الضوء المتعمد على أن منتديات السبلة العمانية هي أحد المواقع التي تنشر الشائعات من وجهة نظر كاتب الحلقة جاء ذكر موقع البسلة في الحلقة كتحريف مكشوف يود أن يقول فيه : ” أنا تراني ما أقصد السبلة أنا أقصد السبلة ” !! هذه الحلقة تحديدا تذكرنا بنفس التناول السطحي لمسلسل درايش في موضوع الكتابة الإلكترونية .
شركة المؤنس المنتج المنفذ للعمل لصاحبها الكاتب والشاعر ناصر البدري استفادت بشكل مباشر من المعونة المادية التي أتاحها ديوان البلاط السلطاني في عهد معالي السيد علي بن حمود وزير شؤون ديوان البلاط السلطاني السابق ضمن الهبّة الديوانية في النهوض بالإنتاج التلفزيوني وهو ما يطرح تساؤلات مهمة هل ستمتد هذه اليد الديوانية طويلا في دعم الأعمال التلفزيونية ؟ وهل بدونها لن نرى أعمال آخرى قادمة على شاكلة يوم ويوم على الأقل ؟ وهل سيتم توزيع الحصص المادية في القادم على شركات أخرى أم ستستآثر وستستأنس شركة المؤنس بالحلوى الديوانية ؟ وهل التغييرات التي طالت ديوان البلاط السلطاني سترمي بثقلها على فكرة الدعم ؟. الشاعر ناصر البدري الذي استطاع بتوليفة متقنة إلى حد كبير من إيجاد عناصر عمل ناجحة ومتكاملة فنيا في يوم ويوم , قادنا وجود اسمه كمخرج ليوم ويوم إلى جملة تساؤلات , فنحن نعرف ناصر على أنه شخصية شعرية أدبية ثقافية عامة تمارس العمل الكتابي في أشكال متعددة وساهم بقيادته الإدارية وربما الفنية في ربط الخيوط الصحيحة لظهور المسلسل بشكله الحالي إلى جانب إسهامات زملاءه في فريق العمل كمالك المسلماني والأسماء القصصية التي تم ذكرها ولكن أن يأتي ناصر كمخرج ولعمل كرتوني فهنا تأتي أسئلة مهنية فيما يخص العمل الكرتوني تحديدا كونه قائم في إخراجة على عناصر مختلفة تماما عن مفهوم الإخراج التلفزيوني العام , مراحل رسم وتخطيط مبدئي للشخصيات ومن ثم الانتقال إلى مستويات التبييض وبعدها إلى مستويات التحريك ويأتي في النهاية وضع زوايا الكاميرات المتصورة لحركة الجرافيك سواءا بأبعاده الثنائية أو بأبعادة الثلاثية وهو ما يسمى ب ( Story Board ) الحركة الكرتونية , والتي تقارب في مهامها مهام المخرج الإعتيادي في الدراما التلفزيونية فهل كان ناصر البدري مشرفا على كل هذه الخطوات أم ممارسا لها حتى يأتي اسمه في التتر إخراج ناصر البدري ؟ ثم أن هناك فرق بين الإشراف وبين الممارسة للعمل الإخراجي الكرتوني نقول هذا ليس تشكيكا في قدرات ناصر الفنية ولكن حتى لا نقع في المعتاد من أفخاخ الإستسهال المقيتة عبر شاشتنا العمانية بما تمثلها من سهولة وضع اسم الإخراج بجانب فلان الفلاني .
في النهاية يأتي عمل يوم ويوم كإضافة نوعية على مستوى الجودة والشكل الفني للشاشة العمانية التي تأخرت كثيرا في اللحاق بركب التطور البصري في عوالم الميديا أما على مستوى طرح مواضيع الحلقات فنحن ننتظر القادم من الحلقات ليظهر الوجه النقدي المكثف لبعض الأفكار التي يمكن لقالب العمل الكرتوني ان يستوعبها ويعكسها بمرونة أكبر من الأشكال التلفزيونية الآخرى .
حميد البلوشي
Kalam123@hotmail.com
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment