May 10, 2012

(١) انطباعات من مدينة الكباش الخمسة .. جوانزو





‎عندما نسمع عن المارد الصيني او بالاحرى التنين من وجهة نظري .. نعتقد ولا ادرى السبب تحديدا رغم العراقة التاريخية لهذا البلد التي دعانا نبي البشرية سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لطلب العلم فيها بقوله ( اطلبوا العلم ولو في الصين ) ‫..‬ ان في الوصف مبالغة وغموض ولاسيما أننا متاثرون لحد كبير بالنسر الامريكي وآخرون منا بالدب الروسي ايام شيوعيته لطبيعة العلاقات والمصالح .. ايجابية او سلبية ‫!!‬ ‫





موقع الصين على الكرة الارضية


‬وشخصيا ‫..‬ عبر تجربة سابقة لي مع احد صينيي المستعمرة البريطانية السابقة ، هونج كونج الوقحين كادت ان تنتهي بتشابك بالايادي على طريقة الكنغ فو قد صرفت النظر لاكثر من عقدين عن زيارة أيا من مدن البر الصيني المترامي ‫..‬ واكتفيت بالتجوال بين دول جنوب شرقي آسيا التي وجدت فيها من الابتسامات والطيبة والاحترام ما يغني الحاجة عن زيارة الصين رغم شغفي عموما بحضارته وتاريخه ‫.‬

‎ولكن مؤخرا قررت فض المقاطعة وانتهاز الفرصة التي قد لا تتكرر بزيارة ثالث حواضر الصين المهمة بعد العاصمة السياسية بكين ومدينة شنغهاي الصناعية المعروفة وذلك لحضور معرض الصين الـ ١١١ للصادرات والوارادات في مدينة جوانزو او غوانتشو التي يقال ان التجار العرب اطلقوا عليها اسم « كانتون » اي المناطق المفصولة وهو الاسم المشهورة به انجليزيا ليومنا هذا ‫.‬



منظر رائع لمدينة جوانزو

وجوانزو او كانتون هي العاصمة الادارية لاقليم غواندونغ الذي يتكون من ٢١ مدينة و٢٣ لواء ويبلغ عدد سكانه الاجمالي طبقا لاحصائية عام ٢٠١٠م ما يزيد على ١٠٤ ملايين نسمة من مجموع اكثر من ١،٣٣٧ مليون نسمة هم اجمالي سكان الصين حسب آخر احصائية بمقاطعته الـ ٢٢ وان اضفنا تايوان او تايبيه يرتفع عددها لـيصبح ٢٣ مقاطعة .‬



خريطة توضح مقاطعات الصين التي تحتل مساحة تبلغ ٦،٦٤٠،٨٢١ كيلومتر مربع وتعد ثالث دول العالم
من ناحية المساحة والاولى من ناحية عدد السكان .


يعتبر نصب الكباش الخمسة من اكثر معالم مدينة جوانزو شهرة واتخذته المدينة شعارا لها وهي ترمز حسب الاسطورة التي تعود لالفي عام مضت للخصب الذي جلبته الكباش لهذه الارض القاحلة التي رغم سعي اهاليها وعملهم الدؤوب في استزراع الارض الا ان المجاعات لم تفارقها . وتقول الاسطورة انه ذات يوم وصل للمدينة خمسة من الخالدون بأردية مختلفة الالوان على ظهور خمسة كباش وهم يعزفون موسيقاهم الاسطورية . وقد حملت الكباش في افواهها حزم من اعواد الارز قام
الخالدون بتركها لاهالي المدينة ومنحوها بركاتهم قبل ان يغادروا . وتحولت الكباش لتماثيل من حجر وعم الخير المدينة
فازدهرت ونمت ثروتها وتزايد عدد قاطنيها .. ومن هنا جاءت تسميتها بمدينة الكباش .



نصب الكباش الخمسة في متنزه Yuexiu وهو من اكبر متنزهات المدينة
ويغطي مساحة تبلغ ٨٦٠،٠٠٠ متر مربع .


‎ورغم اني صدمت حقا بعد رحلة ممتعة ومريحة على متن طائرة الطيران العماني الايرباص من مسقط الى بانكوك بالمقارنة
مع الطائرة البوينغ القديمة الخاصة بشركة الصين الجنوبية للطيرانChina Southern Airlines التي اقلتنا في الشق الثاني من رحلتنا من بانكوك الى جوانزو ‫..‬ ولم تختلف على متنها الكراسي البدائية الضيقة لدرجة رجال الاعمال عن الدرجة السياحية في شيء يذكر مع خدمة سيئة ووجبة باردة وجهل باللغة الانجليزية في رحلة مملة استغرقت ساعتين وخمس واربعون دقيقة تحملناها على مضض‫ اجانب وصينيين على حد سواء .

‎ولعل السرعة التي تمت بها اجراءات الوصول واستلام الامتعة واجتياز حاجز الجوازات والجمارك في مطار بايان الدولي Baiyan ويعني الغيوم البيضاء ويتميز بتصميمه وضخامته وبعلو سقفه القياسي وتهويته والاضاءة الطبيعية التي تتخلل فتحات السقف الزجاجية بعض العزاء عن الرحلة المتعبة ونحن نغادر في طريقنا بوسط المدينة ‬للفندق مقر اقامتنا .



مطار بايان ،، بالامطار استقبلنا وبالامطار ودعنا



مطار بايان من الداخل .. لاحظ الرحابة وارتفاع السقف والاضاءة الطبيعية التي توفرها
الالواح الزجاجية التي تفصل بين اجزاء السقف .


‎وبالفعل لم تبخل علينا الغيوم البيضاء فانهمرت تستقبلنا بحفاوة وتواصلت زخاتها طوال ايام اقامتنا بلا انقطاع ‫..‬ والملاحظ على تخطيط المدينة منذ البداية الدقة والسعة والانسيابية في حين كنت اتوقع شخصيا الزحمة والضجة الشديدة والفوضى التي عادة تصور بها هوليوود المدن الصينية في افلامها ‫..‬ فالشوارع السريعة واسعة تنساب على حواريها العديدة حركة المرور دون عوائق والاف مؤلفة من البشر يتحركون مستخدمين وسائط نقل عديدة حديثة ‫..‬ واستغرقت رحلتنا لفندقنا بوسط المدينة نحو ٤٠ دقيقة تقريبا‫.‬

‎وفي الطريق طلب مني احد الاصدقاء التدقيق في الاشجار الصنوبرية العالية التي تحف جانبي الشارع السريع وبالفعل لاحظت انهم وضعوا على بعض منها وعلى مسافات وبشكل مموه يصعب تمييزه اجهزة تقوية ارسال للهواتف النقالة ولاكتشف بعد التدقيق انها اشجار مقلدة او مزيفة بشكل متقن للغاية حتى لا تظهر وكأنها اصلا اعمدة معدنية مخصصة للاجهزة كما هو حال المئات منها التي تنتشر فوق المباني السكنية والتجارية مشوهة للمنظر العام ومضرة ربما بصحة القريبين منها بما تصدره من ذبذبات .. وحتى معالمنا الأثرية لم تسلم من تشويه هذه الاجهزة حيث اعتلت الابراج القديمة وبشكل عشوائي كما هو حال كل شيء جميل في مسقط !!





احدي الاشجار المزيفة المخصصة لمعدات الارسال والتقوية اللاسلكية وعملية نصبها بين الاشجار الطبيعية .





في المقابل ساهمت شركات الاتصالات المعروفة في تشويه جمال مدينة مسقط ولم تسلم من ذلك لا الجبال
ولا العمارات ولا حتى المعالم الأثرية !! فالصورة هنا دليل على ان التشويه طال ابراج مسقط التاريخية الاثرية كهذا الذي يطل على قمة صخرة فيما كان تعرف سابقا بالدوحة على الشارع البحري ... متى ياترى يخرج لنا عباقرة هذه الشركات المشوهة بفكرة على غرار اشجار الاتصالات الصينية فيخفون معداتهم واجهزتهم القبيحة عن ناظرنا !؟؟


‎ورغم ان فندق الحديقة The Garden Hotel الذي اقمنا فيه من فئة النجوم الخمسة يتميز بالإناقة الصينية بزخارفها البديعة
وبالحداثة والبذاخة وهو كشأن الصين عموما بالضخامة حيث تبدو ردهة الاستقبال فيه واعداد المتواجدين من مقيمين وزوار
وكأنه مطار وليس بفندق .. وهو مكون من مبنيين ضخمين يحويان معا على ٨٢٨ غرفة .





فندق بمعيار صيني من حيث الضخامة مع شلال صناعي شاهق
وجدول ينساب عبر الحديقة الى البحيرة .


وقد صادفتني منذ البداية مشكلة في القفل الالكتروني لغرفتي الذي يعمل بالبطاقة والذي لم يفتح رغم محاولاتي العديدة
ولعله ربما يعكس بعض اوجه القصور التكنولوجي للصين عموما !!

وبعد ان لم تفلح المشرفة على الغرف في استخدام بطاقتها الرئيسية التي يفترض ان تفتح بسهولة جميع ابواب الغرف جرى
الاستعانة بالمهندس الالكتروني الذي جاء ومعه ما يشبه المطرقة او بالاحرى يد هاون طرق بها القفل الالكتروني الخربان
ليفتح الباب مؤقتا ولحين !! وبعد ان تكررت الواقعة تم ترقيتي لغرفة افضل تطل على الميدان الرائع للمدينة ... فرب ضارة نافعة .

في مساء ذلك اليوم وتمهيدا لحضور المعرض صبيحة اليوم التالي توجهنا لاحدى القاعات في الفندق المخصصة لاستخراج بطاقات هوية لدخول المعرض وبعد الانتظار لاكثر من ساعة في طابور طويل ضم زوار من مختلف الجنسيات ومن قارات العالم الاخرى جاء دورنا وكم كانت دهشتي عظيمة ولكن مفيدة .. عندما اكتشفت ان البطاقة التي يمكن استخراجها عندنا بجهاز حديث وعن طريق موظف وحيد تتطلبت جهود حوالي عشرة موظفين ورجال أمن صينيين لم يتعدى دورهم التدقيق والاخراج اليدوي للبطاقة !! ولعل ذلك يفسر استيعاب الصين لقوتها العاملة دون ان تعاني من الفقر والبطالة كثيرا التي تتحكم بها بشكل عجيب ومن بين الدول الاسيوية تعتبر الصين رغم مليارها من البشر ويزيد الاقل بطالة !!



جدول يوضح العرض والطلب في سوق العمل الصيني



جدول يوضح نسب البطالة في عدد من الدول الاسيوية المنضوية تحت منظومة دول آسيا والباسيفيكي
للتعاون الاقتصادي حيث تحتل الصين قاع الجدول تقريبا والفيليبين قمته !!




وذات الامر لاحظناه في المتاجر والمحلات والاسواق والمطاعم واينما ذهبنا .. فاقتسام العمل وتجزئة المهام بين اعداد من العاملين والموظفين ساهم ايجابا في استيعاب الايدي العاملة ولعل ذلك من اسباب تفوق التنين الصيني على غيره من الدول .. ولو لحين .. وعلى عكس ما جرى في السلطنة حيث تسببت الميكنة وما يعرف بالالكترنة في فقدان العديد من الوظائف والمهن التقليدية .

وللتحقيق بقية ...

No comments: