من الآن وحتى انتهاء الاحتفالات بالعيد الوطني وكما درجت العادة كل عام تنشط أدارات الإعلام في جميع الوزارات باصدار التقارير والتصريحات الصحفية المنمقة والمضخمة والمهولة مستعرضة ما تسميه (انجازات) وهي في واقع الحال واجبات عادية مناطة بها.
ولعل ما لفت انتباهي مؤخرا هو تصريح يصب لصالح وزارة الثروة السمكية من قبل سعادة الوكيل الذي اشار فيه الى نتيجة المسوحات التي قامت بها حسب قوله ودون الاشارة طبعا شركة عالمية متخصصة في الثروة السمكية ! وربط نتائج مسحها بالخطة الاستراتيجية التي تعمل بموجبها الوزارة لانشاء موانيء جديدة للصيد وايجاد مناطق صناعية وتطوير الصيد .. الخ وهي ذات المعلومات التي نسمعها عام بعد عام حتى حفظناها ظهرا عن قلب .
المهم اننا الآن بصدد استغلال آخر لمناطق صيد عُمانية جديدة في الوسطى والجنوبية وذلك بعد ان دمرنا المناطق الشمالية بعشوائية وجهل شديدين نتيجة الصيد الجائر غير المدروس فباتت معها بحار مستنزفة يرثى لحالها والتناقص المستمر لاسماكها رغم ان نشاط الصيد الرئيسي والاغلبية الساحقة من الصيادين الحرفيين تعتاش منها. وعليه فالمجال سيكون مفتوحا الآن والابواب مشرعة بالدرجة الاولى لشركات الصيد الاجنبية بممثليهم المحليين ليغرفوا من هذه البحار الجديدة .. فهل سيتكرر نفس السيناريو والاخطاء والتجاوزات وهل سنسمح لهم مع اعلان سعادته عن اكتشاف موائل قاعية جديدة تبشر بتواجد كميات كبيرة من الاسماك بمعاودة اسلوب الجرف القاعي المدمر والصيد العشوائي وغير القانوني كما حصل في الشمال وبعض مناطق الوسطى والجنوب ايضا !؟؟
ولعل الملاحظ ان اساطيل الصيد بالسفن التجارية حاليا في هذه المناطق وغيرها يتم عن طريق طواقم اسيوية تحرم شبابنا العماني الفرصة والفائدة من ذلك تعود بالدرجة الاولى للشركات اصحاب السفن ولممثليهم العمانيين وهم افراد قلائل متخمين اصلا من عوائد الاستغلال السابقة .. عليه ينبغى قبل السماح لهذه الاساطيل الصيد مجددا في بحارنا الوسطى والجنوبية ومن المناطق التي اشار اليها التقرير الذي قام به المعهد الوطني لابحاث المياه والطقس في نيوزيلاندا المعروف اختصارا NIWA والمنشور في الرابط ادنى الصفحة ، ان نعمل بسرعة على تعمين قطاع الصيد التجاري بما في ذلك طواقم العمل والادارة والفنيين على هذه السفن والاستفادة القصوى منها وخلق صناعة سمكية حقيقية لا تعتمد التصدير فقط في ظل التنامي العالمي على الاسماك وشح المصادر والكميات وذلك بعد توفير ما يسد الاسواق المحلية وبالاسعار المناسبة التي تكون في متناول الجميع وليس كما هو حاصل الآن .
مع تحفظ الموقع الخاص بـ NIWA عن ذكر نتائج المسح والملاحق الخاصة بالتقرير الذي بلغ نحو ١٠٠ صفحة والذي رفع لوزارة الثروة السمكية ، الا انه اشار اختصارا لبعض المعلومات التي افادت بأن العاملين على سفينة الابحاث «المستقلة» قاموا اثناء المسح بفحص ٢١٣٣٦٣ عينة اسماك وفقاريات وقاموا بجمع المعطيات البيولوجية لـ ٩٩٣١٩ عينة سمكية بما فيها الاوزان والاحجام . كما سجلوا ايضا تواجد ٤٤٥ نوعا من الاسماك والقرشيات .. منها ٩١ نوعا يسجل تواجدها للمرة الاولى في مياه السلطنة. كما سجلوا ايضا تواجد ١١٠ نوعا من الكائنات البحرية بما فيها الحباريات والفقاريات التي تعيش على القاع ووقعت في شباكهم ثلاثة انواع من السلاحف في عشر مناسبات تم اطلاقها دون ان يلحق بها اي اذى .
ان النتائج المشجعة التي خرج به المعهد النيوزيلندي لبحارنا في الوسطى والجنوبية لا يعنى بأي حال ان مستقبل الصناعة السمكية زاهر ومشرق وذلك ما لم تكن هناك استدامة في هذه الثروة ومحافظة وصيانة واستغلال رشيد وعلمي ونزيه لها .. ولعل تجربتنا القاسية خلال العقود الماضية في مياهنا الشمالية بالذات علمتنا كثيرا من الدروس التي ينبغى استيعابها واخطاء يجب تجنبها لتبقى ثروتنا السمكية رافدا هاما ومستداما للابد للاجيال الحاضرة والقادمة .. فالنفط والغاز في سبيلهما للنفاذ قريبا وتظل الثروة البحرية بأذن الله قائمة .
نتمنى ان يظل البحر الذي وفر الغذاء للانسان العماني منذ نحو سبعة الاف عام ان يستمر في تقديم خيراته لاف الاعوام القادمة بأذن الله بفضل حسن استغلالنا وحرصنا وليس جشعنا وطمعنا .. فهل تتحقق هذه الامنية ونشهد اشراقة فجر جديد لثروتنا السمكية ؟
رابط تقرير:
NIWA - Fish resources assessment survey of the Arabian Sea coast of Oman