لا سلام في منتجع السلام

اخيرا ستذهب ادراج الرياح بقايا اقدم قرية صيادين معروفة من عصر مجان ظلت أثارها باقية قرابة خمسة الاف عام .. فقد تغلب في النهاية منطق المصلحة التجارية والربح على منطق التراث والتاريخ .. وعن قريب سينتهي الفصل الاخير والاثر الفريد من حضارة مجان .. فعلى الارض المغتصبة ستقام قصور وفلل وللسخرية والتهكم والتستر سميت بـ (منتجع السلام) .

عند قبر يجمع رفاة صياد مجاني وابنه دار الحديث التالي:

الطفل يسأل اباه الصياد مستغربا ومستنكرا: لماذا يعتدون على قبورنا ولا يحترمون رفاتنا .. الا يحترمون قبور موتاهم ؟
الاب: بلى انهم اكثر من يحترم قبور موتاهم في زمنهم .. فمقابرهم مسورة ومحمية ومصانة ويزورونها دوما بل ويقرؤن على قبورها ويزينونها ايضا بالرخام والشواهد المنقوشة ؟

الابن: ان كانوا كذلك فلما جاؤوا بهذه الوحوش الحديدية ( يعني معدات الجرف والحفر) لتعتدي علينا وتطحن عظامنا وتهدم قبورنا ومساكننا ؟
الاب: للاسف انهم لا يكترثون بنا ولا يقيمون لنا وزنا ولا يعتبروننا ماضيهم القديم وفجر حضارتهم .. فنحن بالنسبة لهم مجرد مقابر ومساكن قديمة لا تستحق الاحترام والحماية.

الابن: ولما اختاروا قبورنا ومساكننا .. ولماذا لم يقم جارنا الراحل بهدم قبورنا ومساكننا عندما سكن بالقرب منا بل ظل يحمينا حتى رحيله .. اليس هو من نفس النوع ومن نفس الزمان؟
الاب: رحمه الله كان مقدرا ومحترما لنا فترك قبورنا ومساكننا كما هي ولم يقم عليها اي بناء وكان من النوع النقي القنوع الذي لم يرى في قبورنا مصدرا للكسب ولم يكن يحب تكديس الاموال.

الابن : الا يعتبر احترام الاجداد وما خلفوه من أثار واجبا تمليه عليه ثقافتهم وعاداتهم ؟
الاب: ليس الكل .. فالذين احتلوا مقابرنا ومساكننا من النوع الذي لا يضع ثمنا غير المال لاي شيء .. فهم لا يقيمون وزنا لا للتاريخ ولا لتراث الاجداد .. بل لحساباتهم الخاصة المتخمة فيما يسمونها بالمصارف ؟

الابن : وماذا سيفعلون باراضينا بعد سحق عظامنا وازالة مساكننا ؟
الاب: سيبنون منتجعا راقيا يسعون من ورائه الربح الفاحش ؟

الابن: ولما اختاروا مقابرنا ومساكننا بالذات لمشروعهم هذا ؟
الاب: لان موقع مستوطنتنا وقبورنا في زمنهم تعتبر من اجمل المواقع الاستثمارية وسيبنون فوقنا قصور فخمة ستعرف بمنتجع السلام.

الابن: هل يعانون من شح الاراضي وقلة المواقع .. والا يستطيع احد ايقافهم ؟
الاب: لا لا يفتقرون للاراضي ولا المواقع المميزة .. ولا احد للاسف باستطاعته منعهم .. فهم يستمدون قوتهم من اموالهم التي في زمنهم تشتري حتى الضمائر ؟

الابن: ولكني لن اغفر لهم انتهاكهم لحرمة قبري وقبرك وقبور اجدادي وساطلب من الجميع ازعاجهم ليل نهار فرغم ان اجسادنا اصبحت رميما .. الا ان ارواحنا حية رغم موت ضمائرهم وسوف نرعبهم دوما .. ولن يحل السلام ابدا في منتجع السلام .