Apr 5, 2005

الخصخصة : تحول المؤسسات العامة من سيطرة الدولة إلى احتكار الأفراد

الاخوة الافاضل

مع ازدياد الحديث عن الخصخصة وأثارها السلبية والايجابية على مجتمعنا واقتصادنا.. رايت ان انقل لكم هذا المقال للفائدة العامة..


الخصخصة : تحول المؤسسات العامة من سيطرة الدولة إلى احتكار الأفراد
بقلم : د. محمد شريف بشير
تعني الخصخصة أو التخصيص - على الأصح لغة - في التعبير الاقتصادي سياسة نقل الملكية العامة أو إدارتها إلى القطاع الخاص ، وبالتالي تتحول المؤسسات العامة المملوكة للدولة إلى القطاع الخاص المملوك للأفراد سواء أكانوا وطنيين أو أجانب .
ويرجع تاريخ أول عملية للخصخصة في العالم بمعنى قيام شركة خاصة بخدمة عامة كانت تضطلع بها مؤسسة حكومية ، يرجع إلى سماح بلدية نيويورك لشركة خاصة بان تقوم بأعمال نظافة شوارع المدينة عام 1676 ، ولكن لم يتم على نطاق واسع استخدام الخصخصة كسياسة اقتصادية أو وسيلة عملية لإحداث تحول مبرمج في اقتصاديات الدول إلا في السبعينات من القرن الماضي.
وكلمة الخصخصة صار لها اليوم اكثر من دلالة سياسية لارتباطها بعملية التحول الاقتصادي والاجتماعي في الدول التي كانت تتبع التخطيط المركزي ، وكذلك ما تستهدفه الخصخصة من تسهيل اندماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي ، واعادة هيكلة اقتصادياتها لتتماشى مع نمط وآليات الاقتصاد الحر . وأصبحت الخصخصة من البنود الأساسية التي يتبناها كل من البنك والصندوق الدوليين كإحدى المعالجات المالية للأوضاع المالية المتدهورة في الدول النامية .
اتجاهات الخصخصة في الدول النامية
تزايدت وتيرة الأخذ بالخصخصة في جميع الدول المتقدمة والنامية على حد سواء ، وطبقت برامج واسعة في كل من بريطانيا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها دولا صناعية ، كما طبقت في اصغر الاقتصاديات حجما مثل نيوزلنده وشيلي . ووفقا لأحدث تقرير صدر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2000م ، فقد زادت الحكومات في العالم اجمع من بيع أنصبتها في الشركات العامة إلى القطاع الخاص ، وبلغت قيمة حصيلة الخصخصة بما يفوق 10% ما تحقق قبل عشر سنوات ، أي ما يعادل 145 مليار دولار أمريكي ، وبلغت قيمة اكبر عملية بيع تمت في إيطاليا حوالي 14 مليار دولار بما تصل نسبتها حوالي 34.5 من نصيب الأسهم في اكبر شركة عامة للكهرباء .
أساليب عملية التخصيص :
تأخذ الخصخصة طريقين الأول : هو بيع أصول مملوكة للدولة إلى القطاع الخاص. والثاني : هو أن تتوقف الدولة عن تقديم خدمات كانت تضطلع بها في السابق مباشرة وتعتمد على القطاع الخاص في تقديم تلك الخدمات . وبالنسبة لعملية بيع المؤسسات العامة يمكن التمييز بين العديد من الأساليب أبرزها :
1- طرح الجزء المراد بيعه من المؤسسة أو الشركة العامة في صورة أسهم للاكتتاب العام في البورصة حيث يتم تقسيم رأس المال إلى حصص تسمى أسهماً ، وتطرح لمن يرغب في الشراء عن طريق البورصة ، بعد أن يعين حد أدنى للسهم لا يجوز البيع بأقل منه ، مع منح الراغبين في الشراء فرصة للمزايدة عليه ، وفي حالات أخرى يتم تحديد سعر السهم وفقا للسوق ، وهذا ما يسمى بنظام السعر الاستكشافي .
2- البيع المباشر للقطاع الخاص ؛ حيث تقوم الحكومة بالتفاوض المباشر مع مستثمر أو عدد من المستثمرين الراغبين في شراء الوحدات عن طريق المناقصات أو المزايدات والعروض حيث يتم التوصل للسعر المناسب الذي يرضي به الطرفان ، مع الالتزام بقوانين الدولة في هذا الشأن ، وهو ما يسمى بنظام البيع لمستثمر رئيسي.
3- تحويل العاملين بالشركة أو المؤسسة العامة إلى مساهمين عن طريق السماح لهم بشراء أسهم فيها ، وغالباً تلجأ الدولة في هذه الحالات إلى تقديم تسهيلات للعاملين تتمثل في تخفيض سعر السهم أو السماح بسداد قيمة الأسهم بالتقسيط على عدة سنوات ، وتلجأ الحكومة إلى هذا الأسلوب لأهمية بعض المشروعات وحيويتها . وقد تقوم الحكومة بتمليك الشركة العامة كلها أو جزءاً منها للعاملين طبقاً لفلسفتها في الخصخصة.
4- نظام الكوبونات وهو الشكل الذي طبق في بعض دول أوروبا الشرقية أثناء تحولها إلى اقتصاد السوق ، وأساسه أن لكل فرد من المواطنين الحق في الحصول على نسبة من رأس المال في المشاريع العامة التي ستتحول للقطاع الخاص باعتبار أن الحكومة ليست مالكة بل هي تديرها فقط نيابة عنهم ، ولذا يتم توزيع كوبونات على المواطنين تمنحهم ملكية عدد من الأسهم أو الدخول في مزادات عامة للحصول على عدد من الأسهم.
5 - خصخصة الإدارة بحيث تبقى ملكية رأس مال المؤسسات العامة في يد الدولة في حين تتنافس وحدات القطاع الخاص في الحصول على عقود تخول لها حق الإدارة لصالح الدولة نظير مزايا معينة كحصة في الربح أو الانتاج ، ويتم هذا الأسلوب عادة عن طريق المناقصات العامة للحصول على عقود إدارة للوحدات أو عقود تأجير لخطوط الإنتاج مقابل مبلغ ثابت يدفع للدولة.
المدافعون عن الخصخصة :
اكثر الحجج التي يسوقها دعاة الخصخصة هي أن تحويل المؤسسات العامة إلى القطاع الخاص يزيح عن كاهل الحكومة عبء خسائرها مما يسمح لها بتركيز جهودها ومواردها لاهداف اقتصادية محددة .
ويرى المدافعون أيضاً أن المشروعات العامة المملوكة للدولة في بيئة تنافسية لا تستطيع الأداء الجيد افضل من الشركات المملوكة للقطاع الخاص تحت نفس الظروف المحيطة على صعيد الربحية والكفاءة وربما يكون أداؤها اكثر سوءاً . ونشير هنا إلى القول إن الزيادة في الربحية غير مساوية للزيادة في الكفاءة بوجه عام ، قول صحيح فقط في ظروف البيئة التنافسية .
ومن المزايا التي يبرزها المدافعون إنها وسيلة لتحقيق توازن الميزانية وتقليل الضرائب ، وتقييد الميزانية وجذب الاستثمارات الخاصة والأجنبية ، وتسهيل نقل التقنية وتسريع خطوات تحرير الاقتصاد وإدخاله في دائرة العولمة على مستوى الأسواق والمنتجات الدولية .
المعارضون لبرامج الخصخصة :
أما المعارضون لبرامج الخصخصة فيرون أن عددا كبيرا من المؤسسات العامة التي خصخصت في الدول النامية بنيت على معايير اقتصادية خاطئة واعتبارات سياسية غير لائقة مثل بيع اسهم مشروعات عامة غير خاسرة إلى شركات صناعية كبرى أو مجموعة من أصدقاء الحكومة ، وبذلك تتحول المؤسسات العامة إلى شكل من أشكال الاحتكار الخاص وباب من أبواب الفساد الاقتصادي والسياسي . فهناك الكثير من دول أمريكا اللاتينية باعت شركات الاتصالات الهاتفية الوطنية لشركات أجنبية لمدة تصل إلى 40 سنة في ظل ضمانات احتكارية وفي نفس الوقت كانت عاجزة عن وضع حد للفواتير العالية التي أثقلت كاهل المواطنين وأثارت استياءهم.
ويرون أن بيع المؤسسات العامة أدى إلى تخلي الدولة عن دورها في تحقيق التنمية الاقتصادية ورفع الدعم عن المجالات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنيات الأساسية.
ويدعمون حجتهم بان تضخم المصروفات العامة لا يرجع إلى زيادة حجم القطاع العام ومحدودية العائد منه وانما عجز الموازنة يعود إلى تضخم الصرف على الأمن وشراء الأسلحة والترتيبات الدفاعية ومشروعات الترف السياسي خاصة في ظل أنظمة حكم استبدادية وهيمنة دولية تفرض آليات التبعية الاقتصادية والثقافية للخارج.
تقويم عملية الخصخصة :
لا يمكن التسليم بكل حجج المدافعين عن الخصخصة ، كما لا يمكن أن ندفع كل براهين المعارضين . فالنظر المعتدل يقودنا إلى التعامل مع عملية التخصيص كأدادة اقتصادية للاصلاح دون تغييب لدور الدولة أو محو لدورها من خلال توفير الإطار الفني الذي يصبغ مضمون الخصخصة بطابع يتماشى مع الظروف الاجتماعية والفلسفة الاقتصادية والسياسية لكل دولة ، مما يساعد على قيام الأجهزة الرقابية والفنية التي تضمن سير الخصخصة وفق خطها المرسوم لخدمة المصالح العليا لأية دولة .
ويمكن إجمال رأينا في الخصخصة من خلال استعراض الآتي :
أولاً : سياسة الخصخصة في السودان :
يتكون القطاع العام المملوك لحكومة السودان - وفق البيانات المتوافرة لدينا - من 85 مؤسسة عامة و 56 شركة عامة . وهي تتوزع على جميع الأنشطة الاقتصادية بما يشمل الزراعة والصناعة والنقل والمواصلات والسياحة والفنادق والطاقة والتعدين ثم القطاع المتنوع . ويجدر بنا أن نشير إلى أن هناك عوامل عديدة أسهمت في ضعف المشروعات العامة في البلاد منها العلاقات البروقراطية بين الحكومة والمشروعات العامة والحاجة إلى متابعة أهداف اجتماعية بجانب أهداف اقتصادية ثم الوضع الاحتكاري المحمي لكثير من المؤسسات العامة والتبديد الإداري لأسعار منتجات الشركات العامة واستعداد الحكومة لتسديد خسائر المشروعات العامة ودور نقابات العمال ومواجهتها لزيادة الأجور كل هذه العوامل أدت إلى مشروعات عامة تفتقر إلى الكفاءة وتعتمد على الإعانات الحكومية مع تدن في مستويات الإنتاجية وإفراط في العمالة وانخفاض مستويات الأجور بما لا يتماشى مع الانتاجية واسعار المدخلات والمخرجات.
منذ عقد الثمانينات بدأت تتدنى انتاجية المؤسسات العامة مع مواجهتها لصعوبات مالية الأمر الذي أدى إلى إعلان ما يسمى ببرنامج الإصلاح المؤسسي والهيكلي الذي هدف إلى إجراء إصلاحات مالية وإدارية.
وعند مجيء الإنقاذ إلى السلطة ، أصدرت حكومتها في نوفمبر 1989 قرارا للوزراء المختصين بحل وتصفية الوحدات التابعة لاختصاصاتهم والتي سجلت خسائر لسنوات متعاقبة خاصة الوحدات الهامشية . وبعد أن تبنت الحكومة خطة الاستراتيجية تم المضي في برنامج واسع للتخلص من المؤسسات العامة ولكن البرنامج توقف في الفترة بين 1997 - 2000 وعند عودة الوزير الحالي عاود البرنامج الانطلاق بخطوات مسرعة وأساليب جديدة عليها كثير من الشكوك والملاحظات من الناحيتين الاقتصادية والسياسية ، سنحاول تضمين بعضها في ثنايا الحديث عن الدروس التي يمكن استخلاصها من تجارب الدول النامية في هذا الصدد . وهذه الدروس نشير إليها بمثابة مقترحات مناسبة لصياغة البرنامج البديل الذي يلبي الحاجات الوطنية لاصلاح الاقتصاد السوداني.
ثانياً : خلاصة الدروس المستفادة من تجارب الدول النامية :
1- التنوع في استخدام أدوات التحول :
اضطلعت ماليزيا بمحاولات ناجحة في الخصخصة بدأت في 1982م ، وشملت انجح عمليات الخصخصة شركة الخطوط الماليزية ومجمع حاويات السفن بميناء كلانغ، فعند تحويل الخطوط الجوية الماليزية طرحت أسهمها للبيع وفي الوقت نفسه عرض اكتتاب في اسهم جديدة، أما مجمع الحاويات فبدأت الحكومة ببيع الأصول المنقولة وإيجار الأصول الثابتة وعقد إدارة للقطاع الخاص لمدة سنتين أعقبه بيع الاسهم للمواطنين الماليزيين. والدرس المستفاد من التجربة الماليزية ان الأدوات والسياسات التي استخدمت لانجاز الخصخصة قد تم اختيارها بعناية وهي تتراوح بين اكثر الأدوات شمولا كتصفية المؤسسات العامة تماماً وبين أوسطها كبيع أسهم المؤسسة للعاملين وصغار المستثمرين أو اقلها صرامة كإعادة تنظيم المؤسسة العامة إلى فروع صغيرة أو دمجها في مؤسسة كبيرة والعناصر المؤثرة في اختيار الوسيلة مرتبطة بالهدف من برنامج الخصخصة ، والوضع المالي للمؤسسة العامة ، وامكانية حشد وتعبئة موارد القطاع الخاص ، والظروف السياسية المناسبة.
ويلحظ أن البرنامج الحالي المطروح من الحكومة القائمة يفتقد الهدف الواضح وتغيب عنه الفلسفة التي تحكم عملية التخصيص . وأوضح مثال على ذلك هو ما تم بشأن مصنع أسمنت عطبرة إذ في المرة الأولى كان المنتظر أن يتم بيعه لمستثمرين أحدهما أجنبي ، وعندما اختلف الشريكان عدلت الحكومة من الأسلوب السابق لبيعه عن طريق الاكتتاب العام للجمهور ، وبالطبع كل أسلوب يعكس فلسفة مختلفة عن الأخرى . ونود التأكيد أن استخدام أي أسلوب لاتمام عملية الخصخصة إنما يتوقف على جملة من المعايير أبرزها: حجم المؤسسة المراد تخصيصها، وفلسفة الحكومة من عملية الخصخصة ، وقدرة السوق على استيعاب المؤسسات العامة المطروحة للتخصيص ، والعائد المستهدف تحقيقه من البيع ، وتوافر النظم التشريعية والإدارية الواضحة التي تضبط العملية برمتها.
2- إيجاد بيئة اقتصادية مستقرة :
للسياسات الاقتصادية على الصعيدين الكلي والقطاعي أهمية بالغة فالتحول الذي يتم في ظروف التضخم وعدم استقرار الأسعار وتقييد حرية التجارة لا يكتب له النجاح طويلا، فلابد من الإعداد والتهيئة اللازمة لتنفيذ عملية الخصخصة فتجربة سريلانكا خير مثال على توظيف السياسات الاقتصادية القطاعية لإيجاد بيئة مناسبة لتحقيق الخصخصة . فنجد أن تخصيص هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية استهدفت في البداية الاتفاق على وضع إطار سياسي اشتمل على وضع قانون ينظم الهيئة وإدارة جديدة ، ولم يسمح للقطاع الخاص بالدخول إلا بعد فترة طويلة من ترتيب أوضاع الهيئة. فالتحويل غير المقيد للمؤسسات العامة يؤدي إلى تحويل الاحتكار العام إلى الاحتكار الخاص ، وهي نتيجة باهظة التكلفة خاصة في الدول التي لا تزال تعاني من مشكلات هيكلية ومزمنة .
3 - تحديد مباديء توجيهية واضحة :
من أهم آثار الخصخصة هو ما يتعرض له العمال والموظفون من فقدان وظائفهم أو استبعاد استيعاب بعضهم في المؤسسات المخصصة أو وضع شروط مجحفة بالعمل الجديد، وهنا تلعب الحكومات دوراً رائدا في تحديد مباديء توجيهية مثل أن يتم عدم الاضرار بالعمالة عند إجراء عمليات الخصخصة وان يتم استيعابهم بشروط مناسبة وعادلة او ضمان حصولهم على مكافآت . وسياسة السماح للعمال بشراء اسهم المؤسسات المخصخصة يقلل من حدة الآثار .
-------------------------------------
üحاصل على درجة الدكتوراة في الاقتصاد تخصص تجارة دولية وتنمية اقتصادية
üباحث اقتصادي في كلية الاقتصاد بجامعة بترا/ ماليزيا
ü مستشار اقتصادي بشركة إسلام آي كيو للاستشارات المالية - كوالامبور
üكاتب اقتصادي بشبكة إسلام اون لاين العربية وصحيفة دايلي فاينانشيال نيوز بماليزيا.
ü لديه كتابان أحدهما حول صندوق النقد الدولي والسودان من اصدارات معهد الدراسات السياسية بباكستان 1995م .. والآخر حول تجربة التنمية في جنوب شرق آسيا 1999م من اصدارات جامعة بترا بماليزيا
ü عضو الجمعية الاقتصادية الماليزية.

No comments: