تعود بي الذاكرة لبحرين الأول .. فابتسم .. انظر لحالها الآن .. فاكتئب !! لقد عشت في البحرين كغيري من العمانيين المغتربين اجمل سنوات العمر .. وقضيت فيها صباي ومراهقتي ولم احس ليوم واحد بأني مغترب اعيش بعيدا عن وطني وعن اهلي واحبتي .

البحرين .. التي عرفتها ضمت بصدرها الحنون الجميع .. عمانيين وخليجيين وعرب واسيويين ..  في فرجان متعددة الاثنيات والعرقيات .. منازلها متلاصقة وابوابها مشرعة كقلوبها الرحبة .

البحرين .. المحفورة في ذاكرتي بحواريها العتيقة واسواقها القديمة وعيونها العذبة وبساتينها الغناء اتسعت للجميع .. واليوم وللاسف الشديد نجدها قد ضاقت باهلها الذين انقسموا في وقت هم احوج ما يكونون فيه للوحدة .

وحتى تاريخ الحراك السياسي في البحرين ظل دوما يجمع اطيافها ومذاهبها على الدوام .. وكانت مظاهرات العمال والطلبة في مارس عام ١٩٦٥م والتي كنت مشاركا فيها ملحمة خلدها التاريخ عندما انطلق عشرات الالاف في مدن وقرى البحرين منددين بفصل بابكو للعمال منطلقين من مدرسة الثانوية للبنين في المنامة رغم مجابهتهم بخيالة الشرطة التي استخدمت العصي لتفريقهم .. ولازلت حتى اليوم اتخيل تفجر الدخان من القنابل المسيلة للدموع وصدى بنادق الشوزن تطاردنا وتخنقنا في الازقة الضيقة والاهالي يرشوننا بالمياه ويقومون بايوائنا في منازلهم .

كنا جميعا يدا واحدة .. طلبة وعمال .. البحريني والبحراني .. الوافد والمقيم .. ملحمة جمعت اطياف النسيج البحريني ورصت فسيفيسائه في لوحة رائعة .. التقينا في موجات بشرية هادرة غير ابهة بالعصي والرصاص وقنابل الدخان .. ولازال منظر عبور الاف المتظاهرين لجسر المحرق مطبوعا في الذاكرة لتلك الايام الملحمية التي وان كانت بمذاق الغاز والرصاص والقار الملتهب الا انها عبرت عن وحدة البحرين.

فما احوج البحرين اليوم لذلك النضال ولذلك الوفاق .. بعيدا عن المذهبية والطائفية التي بدأت تمزق  النسيج وتدمر الفسيفيساء الجميلة .. ما احلى بحرين الأول .